لقد حاولت العلوم الطبيعية منذ نشأتها أن تؤسس نظريات تبتعد عن التأمل الفلسفي من خلال الاستناد إلى معطيات مادية ووقائع تجريبية. لكن، تاريخ هذه العلوم سيعرف مع ظهور الفيزياء المعاصرة، تحولات جديدة، وبالتالي إعادة النظر في المفاهيم السائدة إلى حدود القرن التاسع عشر. وذلك ما ساهم في بزوغ نوع جديد من التفكير الفلسفي يعرف بالإبستيمولوجيا، والذي يمكن تحديد أبعاده الوظيفية في نقد العلم من خلال مبادئه، ومناهجه، ومحاولة استباق نتائجه... وذلك ما بين أن النظريات العلمية لا تتصف بالثبات لأنها أصبحت تجسد نوعا من التنوع والنسبية، الأمر الذي يقود إلى طرح التساؤلات التالية: إلى أي حد يمكن اعتبار النظرية العلمية بناء تجريبيا ؟ بماذا يتميز حضور العقل داخل النظريات العلمية ؟ ما هي المعايير التي يمكن اعتمادها للإقرار بعلمية النظريات العلمية؟
إذا انطلقنا من تعريف إجرائي يعتبر النظرية العلمية بناء/نسقا فكريا يتدرج من مقدمات وصولا إلى نتائج ؛ فإن ذلك ما يدفع إلى التساؤل التالي : هل النظرية العلمية بناء نسقي تجريبي أم بناء فرضي استنباطي ؟ إن مثل هذا التساؤل يستمد مشروعيته من المقارنة بين ما كانت عليه الفيزياء التقليدية وما أضحت عليه الفيزياء المعاصرة.
يمكن أن نتمثل علاقة النظرية العلمية في شكلها التقليدي بالتجربة والتجريب بواسطة التحليل الميتودولوجي لكلود بيرنار C. Bernard لما بين أن خطوات المنهاج التجريبي قابلة للاختزال في الخطوات التالية :
ملاحظة الظاهرة أثناء حدوثها في الطبيعة
ميلاد فرضية (تساؤل) تتأسس على مبدإ السببية نتيجة للمعاينة السابقة.
اللجوء إلى التجربة لاختبار مصداقية الفرضية، بحيث تترجم التجربة مرحلة عزل الظاهرة وإعادة بنائها داخل المختبر.
معاينة النتائج المباشرة، ومن ثم تعميم النتائج على الظواهر المتماثلة في الطبيعة وبالتالي صياغة القوانين.
إن هذه الخطوات تظهر العالم في صورة المجرب والملاحظ: فالتجريب يمكن العالم من تحري الدقة والموضوعية، معتمدا على ملاحظة مضبوطة ترتكز على الأدوات والأجهزة. لذا بين كلود بيرنار أن الملاحظة أشبه ما تكون بالتصوير الفوتوغرافي الذي ينقل الوقائع بأمانة، أما التجربة فإنها تشكل الأساس الذي يمكن من التحقق من صدق الفرضيات.
من هذا المنطلق، يتدخل روني توم R. Thom ليتساءل إذا كان التصور التقليدي يتصور أن التجريب هو محاولة للتيقن من صدق فرضية ما، فما هو مصدر الفرضية ؟ ليبين أنه لا يمكن أن توجد فرضية دون تفكير نظري قبلي، لأن الفرضية لا تمثل فقط مجرد أولية فكرية خرجت من العقل، وإنما تجسد أيضا تعبيرا عن علاقة سببية تربط الأسباب بالنتائج. ومن ثم كان فرانسيس بيكون (في اعتقاد روني توم) متوهما لما أكد أن التجريب وحده هو الذي يمنح القدرة على التحليل السببي للظواهر. إن التجريب عاجز بمفرده عن الوصول إلى أسباب الظاهرة، ولا يمكنه أن يحمل في ذاته أي دلالة علمية دون التفكير... ليؤكد روني توم أن التفكير يظل عملية معقدة غير قابلة للضبط والتقنين أو التأطير داخل منهج بعينه.
إن أشباه هذه التمثلات هي التي تقود إلى طرح التساؤل التالي : ما هو دور العقل في بناء النظرية العلمية ؟ وما طبيعة العقلانية العلمية ؟
إذا انطلقنا من تعريف إجرائي يعتبر النظرية العلمية بناء/نسقا فكريا يتدرج من مقدمات وصولا إلى نتائج ؛ فإن ذلك ما يدفع إلى التساؤل التالي : هل النظرية العلمية بناء نسقي تجريبي أم بناء فرضي استنباطي ؟ إن مثل هذا التساؤل يستمد مشروعيته من المقارنة بين ما كانت عليه الفيزياء التقليدية وما أضحت عليه الفيزياء المعاصرة.
يمكن أن نتمثل علاقة النظرية العلمية في شكلها التقليدي بالتجربة والتجريب بواسطة التحليل الميتودولوجي لكلود بيرنار C. Bernard لما بين أن خطوات المنهاج التجريبي قابلة للاختزال في الخطوات التالية :
ملاحظة الظاهرة أثناء حدوثها في الطبيعة
ميلاد فرضية (تساؤل) تتأسس على مبدإ السببية نتيجة للمعاينة السابقة.
اللجوء إلى التجربة لاختبار مصداقية الفرضية، بحيث تترجم التجربة مرحلة عزل الظاهرة وإعادة بنائها داخل المختبر.
معاينة النتائج المباشرة، ومن ثم تعميم النتائج على الظواهر المتماثلة في الطبيعة وبالتالي صياغة القوانين.
إن هذه الخطوات تظهر العالم في صورة المجرب والملاحظ: فالتجريب يمكن العالم من تحري الدقة والموضوعية، معتمدا على ملاحظة مضبوطة ترتكز على الأدوات والأجهزة. لذا بين كلود بيرنار أن الملاحظة أشبه ما تكون بالتصوير الفوتوغرافي الذي ينقل الوقائع بأمانة، أما التجربة فإنها تشكل الأساس الذي يمكن من التحقق من صدق الفرضيات.
من هذا المنطلق، يتدخل روني توم R. Thom ليتساءل إذا كان التصور التقليدي يتصور أن التجريب هو محاولة للتيقن من صدق فرضية ما، فما هو مصدر الفرضية ؟ ليبين أنه لا يمكن أن توجد فرضية دون تفكير نظري قبلي، لأن الفرضية لا تمثل فقط مجرد أولية فكرية خرجت من العقل، وإنما تجسد أيضا تعبيرا عن علاقة سببية تربط الأسباب بالنتائج. ومن ثم كان فرانسيس بيكون (في اعتقاد روني توم) متوهما لما أكد أن التجريب وحده هو الذي يمنح القدرة على التحليل السببي للظواهر. إن التجريب عاجز بمفرده عن الوصول إلى أسباب الظاهرة، ولا يمكنه أن يحمل في ذاته أي دلالة علمية دون التفكير... ليؤكد روني توم أن التفكير يظل عملية معقدة غير قابلة للضبط والتقنين أو التأطير داخل منهج بعينه.
إن أشباه هذه التمثلات هي التي تقود إلى طرح التساؤل التالي : ما هو دور العقل في بناء النظرية العلمية ؟ وما طبيعة العقلانية العلمية ؟