إن الفلسفة التقليدية، حسمت في قيمة الحقيقة، خصوصا لما حددت بعض مميزاتها في مطابقة الفكر للواقع، وبالتالي في الاعتقاد بأن ما يوجد في العقل، يعتبر صورة ونقلا أمينا للعالم الموضوعي. هكذا تكون الحقيقة مطلوبة لذاتها مما يحتم الاعتراف بأن قيمة الحقيقة تكمن في ذاتها.
يتفق الفيلسوف البرغماتي وليام جيمس W. James مبدئيا على أن الحقيقة فكر يطابق الواقع. لكن، شرط أن نعترف، أن المطابقة لا تتحدد فيما سلف ذكره، لأن مطابقة الفكر للواقع، في نظره، تعني أن تكون الحقيقة قادرة، في نفس الوقت، على تفسير الواقع، وتطويره، وقابلة للتحقق العملي على أرض الواقع. هكذا يتبين أن قيمة الحقيقة لا توجد في ذاتها، لأن الحقيقة أداة ووسيلة لتغيير الواقع المعيش، والدفع به نحو الأفضل. وفي تعبير موجز، إن قيمة الحقيقة تتمثل فيما هو عملي ومفيد للحياة الإنسانية.
أما نيتشه فله تصور مغاير تماما لأنه لا يرى فيما يعتبره الناس حقائق أية قيمة. فأصل الحقيقة التي يؤمن بها الناس ناجم عن رغبتهم في التعايش وبالتالي تجاوز حالة الحرب المطلقة التي تقود إليها الطبيعة الإنسانية التي تتأسس على مبدإ القوة. إن الناس في تصور الفيلسوف لا يطلبون الحقيقة لذاتها، خصوصا وأنهم لا يأملون في معرفة الحقائق المؤذية والصادمة ؛ وإنما يرغبون في المنافع المباشرة التي يجنونها مما يعتبرونه حقائق. ومن هذا المنطلق، يؤكد نيتشه أن أصل الحقيقة يتمثل في عقلنة الوهم ويتجلى ذلك، في التفاف الناس حول قيم الضعفاء (المساواة، التعاون، الرحمة ...)، في الوقت الذي يجب فيه الاعتراف بضرورة سيادة قيم الأقوياء (من ظلم وعنف وجبروت ..إلخ). هكذا، يعلن بأن الحقائق التي خلقها الناس ليست إلا أوهاما نسوا من فرط العادة والاستعمال أنهم خالقوها.
إن موقفا مثل هذا لا يثني فيلسوفا مثل إريك فايل E. Weil من أن يكون له تصور مغاير حول علاقة الحقيقة بالعنف. إنه تصور ينطلق من اعتبار العنف نقيضا للحقيقة وبذلك يبتعد عن التصور التقليدي الذي يضع الخطأ في مقابل الحقيقة. لكنه يرى في ذات الوقت، أن جذور الفلسفة التي تتأصل في اللاعنف تنسيها أن تنجد نفسها لمحاربة العنف، وبذلك يمكن للفلسفة أن تفقد كل قيمة. فإذا كانت الذات والخطاب الذي يصدر عنها مترادفان بحيث يكونان صورة لبعضهما، فإنه يتحتم على الإنسان أن يدرك أنه يئن تحت إكراهات الشقاء والحرمان والعنف، وعليه أن يعمل على مقاومة ذلك، خصوصا وأن خطورة العنف، اليوم، تتمثل في قدرته على تسخير العقل ليكون في خدمته... لذا، يتوجب على الإنسان أن يعمل على مقاومة العنف ومحاربته بواسطة العقل والممارسة العقلانية.
كتخريج عام، يتضح أن مفهوم الحقيقة إشكالية فلسفية يمكن أن تنفتح على تساؤلات متداخلة. بل، إن صعوبة تناول هذا المفهوم يتمثل في أن الحقيقة مفهوم يمكن أن يكون موضوعا لمقاربة فلسفية بنيوية كذلك، خصوصا إذا عرفنا أن الحقيقة يمكن أن تكون منتوجا اجتماعيا، وذلك ما جعل فيلسوفا كميشيل فوكو يقرن الحقيقة بالسلطة، مؤكدا أنه يمكن لكل مجتمع أن يخلق الخطاب الذي يعتبره حقيقة. وذلك حتما لن يؤكد تغاير الحقيقة واختلافها من مجتمع إلى آخر، وإنما من شأنه، أيضا، أن يعيد النظر في قيمة الحقيقة ونوعية المعايير التي يمكن اعتمادها كأساس لتمييز الحقيقة عن أضدادها..
يتفق الفيلسوف البرغماتي وليام جيمس W. James مبدئيا على أن الحقيقة فكر يطابق الواقع. لكن، شرط أن نعترف، أن المطابقة لا تتحدد فيما سلف ذكره، لأن مطابقة الفكر للواقع، في نظره، تعني أن تكون الحقيقة قادرة، في نفس الوقت، على تفسير الواقع، وتطويره، وقابلة للتحقق العملي على أرض الواقع. هكذا يتبين أن قيمة الحقيقة لا توجد في ذاتها، لأن الحقيقة أداة ووسيلة لتغيير الواقع المعيش، والدفع به نحو الأفضل. وفي تعبير موجز، إن قيمة الحقيقة تتمثل فيما هو عملي ومفيد للحياة الإنسانية.
أما نيتشه فله تصور مغاير تماما لأنه لا يرى فيما يعتبره الناس حقائق أية قيمة. فأصل الحقيقة التي يؤمن بها الناس ناجم عن رغبتهم في التعايش وبالتالي تجاوز حالة الحرب المطلقة التي تقود إليها الطبيعة الإنسانية التي تتأسس على مبدإ القوة. إن الناس في تصور الفيلسوف لا يطلبون الحقيقة لذاتها، خصوصا وأنهم لا يأملون في معرفة الحقائق المؤذية والصادمة ؛ وإنما يرغبون في المنافع المباشرة التي يجنونها مما يعتبرونه حقائق. ومن هذا المنطلق، يؤكد نيتشه أن أصل الحقيقة يتمثل في عقلنة الوهم ويتجلى ذلك، في التفاف الناس حول قيم الضعفاء (المساواة، التعاون، الرحمة ...)، في الوقت الذي يجب فيه الاعتراف بضرورة سيادة قيم الأقوياء (من ظلم وعنف وجبروت ..إلخ). هكذا، يعلن بأن الحقائق التي خلقها الناس ليست إلا أوهاما نسوا من فرط العادة والاستعمال أنهم خالقوها.
إن موقفا مثل هذا لا يثني فيلسوفا مثل إريك فايل E. Weil من أن يكون له تصور مغاير حول علاقة الحقيقة بالعنف. إنه تصور ينطلق من اعتبار العنف نقيضا للحقيقة وبذلك يبتعد عن التصور التقليدي الذي يضع الخطأ في مقابل الحقيقة. لكنه يرى في ذات الوقت، أن جذور الفلسفة التي تتأصل في اللاعنف تنسيها أن تنجد نفسها لمحاربة العنف، وبذلك يمكن للفلسفة أن تفقد كل قيمة. فإذا كانت الذات والخطاب الذي يصدر عنها مترادفان بحيث يكونان صورة لبعضهما، فإنه يتحتم على الإنسان أن يدرك أنه يئن تحت إكراهات الشقاء والحرمان والعنف، وعليه أن يعمل على مقاومة ذلك، خصوصا وأن خطورة العنف، اليوم، تتمثل في قدرته على تسخير العقل ليكون في خدمته... لذا، يتوجب على الإنسان أن يعمل على مقاومة العنف ومحاربته بواسطة العقل والممارسة العقلانية.
كتخريج عام، يتضح أن مفهوم الحقيقة إشكالية فلسفية يمكن أن تنفتح على تساؤلات متداخلة. بل، إن صعوبة تناول هذا المفهوم يتمثل في أن الحقيقة مفهوم يمكن أن يكون موضوعا لمقاربة فلسفية بنيوية كذلك، خصوصا إذا عرفنا أن الحقيقة يمكن أن تكون منتوجا اجتماعيا، وذلك ما جعل فيلسوفا كميشيل فوكو يقرن الحقيقة بالسلطة، مؤكدا أنه يمكن لكل مجتمع أن يخلق الخطاب الذي يعتبره حقيقة. وذلك حتما لن يؤكد تغاير الحقيقة واختلافها من مجتمع إلى آخر، وإنما من شأنه، أيضا، أن يعيد النظر في قيمة الحقيقة ونوعية المعايير التي يمكن اعتمادها كأساس لتمييز الحقيقة عن أضدادها..